إن مفهوم الدفاع عن النفس، أو الدفاع المشروع هو المحافظة على القدرات الأخلاقية والسياسية للمجتمع، وهو مفهوم الوجود أو اللا وجود، أي بمعنى، إما أن تدافع عن نفسك وتحيا وإما العكس فتموت إلى الأبد، ولكي تبقى على قيد الحياة، يجب أن تحمي نفسك. فالدفاع هو إحدى غرائز البقاء لدى كافة الكائنات الحية.
ركز القائد عبد الله أوجلان في مرافعاته على أهمية وماهية الحماية والدفاع المشروع، ولخص ذلك في نظرية الوردة، وقال: "الوردة تحمي نفسها بواسطة أشواكها، يجب أن ندرك هذا الأمر".
وقال أيضاً "لكل نوع في عالم الكائنات الحية نظام دفاعي خاص به. ما من كائن حي واحد فقط يخلو من آلية الدفاع. بل وبالمقدور اعتبار المناعة التي يبديها كل عنصر أو جسيم في الكون للحفاظ على وجوده، دفاعاً ذاتياً. إذ من الساطع جلياً أن المناعة التي يبديها إزاء أي عطل أو خروج من الكينونة، لا يمكن إيضاحها إلا بمصطلح الدفاع الذاتي. وفي حال فقدان تلك المناعة فإن ذلك العنصر أو الجسيم يُفسد، ويخرج من كينونته، ويتحول إلى عنصر آخر مغاير، أما في عالم الكائنات الحية فبمجرد تحطم جدار حصن الدفاع الذاتي، فإن ذاك الكائن الحي يصبح فريسة سهلة لكائنات أخرى أو يموت".
ومن أهم الغرائز الأساسية لدى الإنسان والتي تساهم في الحفاظ على وجوده وبقائه هي الطعام، والتكاثر، والحماية، بالإضافة إلى العديد من الغرائز الأخرى التي يتمتع بها الإنسان الطبيعي.
ماذا تعني لنا الحماية أو الدفاع عن أنفسنا في ظل التغيرات اليومية في عالم تسوده الشرور والحروب والهجمات؛ الإنسان كائن حي يمتلك العقل وهو قادر على التفكير والنطق والقدرة على إمكانية التطور الذهني منذ ظهوره على الأرض، ومع تطور البشرية استطاع الإنسان أن يوظف قدراته العقلية والجسدية لصناعة الأدوات اللازمة لحماية نفسه من المخاطر التي تصادفه أو يتعرض لها في حياته اليومية منذ آلاف السنين.
بالنظر إلى جغرافية الشرق الأوسط، فهي مليئة بالأحداث التي تتغير في كل لحظة، أصبح فيها قتل الإنسان والحيوان وتدمير الطبيعة أمراً متكرراً، وكذلك إبادة الآخرين شيء يتم باستمرار، ناهيك عن غياب الاعتراف بحق العديد من الشعوب في العيش، إن كان من قبل النظام العالمي أو من قبل الأنظمة المستبدة من أجل الحفاظ على السلطة، لذلك باتت آلة الحرب والخوف هي المسيطرة على العالم في ظل هذا الوضع الرهيب الذي صنعته القوى الرأسمالية.
عملية الدفاع في عصرنا الحالي وفي الكثير من الأحيان لا تتطلب رفع السلاح فقط، بل تتطلب أيضاً الدفاع عبر القلم والعقل والفكر والحكمة أيضاً، وهنا نستطيع أن نتطرق إلى ثورة مهاتما غاندي، الذي يعد أكبر مثال على ذلك عندما استطاع تحرير الهند من هيمنة إنكلترا التي احتلت الهند وسيطرت عليها مدة قرنين، وذلك بقوة العلم والسياسة التي كان يتمتع بهما، فليس حملْ السلاح فقط هو الوسيلة للقيام بالحماية، إنما يجب أن تكون هذه الآلية متكاملة. فهناك أمثلة كثيرة نستطيع أن نتداولها في وقتنا الحالي، وكيف يستطيع المجتمع أن ينمي غريزة الحماية والدفاع عن أي شيء يمس الوطن، بدءاً من الفرد داخل المجتمع ومن ثم الأسرة مروراً بالحي والقرية وصولاً إلى المدينة أو أعلى هيكلية مناطقية أخرى.
حق الدفاع المشروع في القانون والأديان
يعرف الدفاع المشروع أو الشرعي في القانون الدولي في فصل التعريف والتطور التاريخي، بأنه فكرة عرفتها جميع الأنظمة القانونية ومختلف الشرائع كحق طبيعي وغريزي، فقد كان يمحو الجريمة عند الرومان فلا يبقى لها أثر جزائي أو مدني، وكان يعفى من العقوبة في أوربا الوسطى، وقد نص قانون عقوبات الثورة الفرنسية عام 1791 على أنه (في حالة الدفاع المشروع لا توجد جريمة مطلقاً ولذلك لا يحكم بأي تعويض مدني) وهذا ما فعله قانون 1810 وهو ما كانت قد أكدته الشريعة الإسلامية أيضاً استناداً إلى الآية القرآنية (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) وكان الدفاع الشرعي يدعى في الشريعة الإسلامية - دفع الصائل - وقد جاء في الحديث الشريف للنبي محمد: «من شهر على المسلمين سيفاً فقد أحل دمه». كما عرفته وتبنته أيضاً مختلف الشرائع القانونية والفلسفات الوضعية.
كما تبنى ميثاق الأمم المتحدة حق الدفاع الشرعي، حيث تنص المادة 51 منه على أنه: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء - الأمم المتحدة - وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
وعلى الرغم من أن الميثاق يحدد ضوابط قانونية ينبغي مراعاتها والالتزام بها بدقة كي لا يتحول حق الدفاع الشرعي أو المشروع إلى ذريعة تتمسك بها الدول لتبرر وتخفي أفعال العدوان التي تمارسها وترتكبها. وتمثّل هذه الضوابط الشروط القانونية الواجب مراعاتها وتحققها، سواء في فعل العدوان أو في فعل الدفاع فضلاً عن الشرط الإجرائي المتعلق بإعلام مجلس الأمن الدولي والتوقف عن ممارسة الحق في الدفاع بمجرد تدخله، إلا أنها تتبع الازدواجية في معاييرها، أو أنها شريكة فيما يتعرض له الشعب الكردي وشعوب كردستان من هجمات عدوانية ترتقي لهجمات الإبادة تشنها الدولة التركية العضوة في الأمم المتحدة.
فعلى الرغم من الاعتراف بشرعية أعمال المقاومة الشعبية المسلحة والحركات التحررية الثورية المسلحة التي تناضل لنيل حقها من أجل تقرير مصيرها من خلال تدويل النزاعات المسلحة التي تكون طرفاً فيها وهذا ما تم بمقتضى البروتوكول الملحق الأول لاتفاقات جنيف في 10 حزيران عام 1977 وكانت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قد أقرت هذا المبدأ من قبل بموجب عدة قرارات أصدرتها لعل من أبرزها، القرار رقم 2649/ د - 25 الصادر عام 1970، والذي يؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأي وسيلة في متناولها. إلا أن أمم المتحدة لا تحرك ساكناً حيال ما يتعرض له الشعب الكردي الذي احتلت أرضه وسلبت حقوقه، وحيال حقوقه المشروعة، والأنكى أن بعض دول الأعضاء في الأمم المتحدة تصف نضال الشعب الكردي بالإرهاب.!!.
يتعرض الشعب الكردي الذي تجزأت أرضه بين 4 دول (العراق وتركيا وسوريا وإيران)، منذ اتفاقية سايكس - بيكو 1916، لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد وبشكل خاص على يد دولة الاحتلال التركي التي تشن الهجمات ضد الكرد أينما وجدوا، ووصل بها الحال إلى إنكار وجودهم ولغتهم وثقافتهم، لذلك صعّد الكرد من نضالهم في ثمانينيات القرن الماضي في تركيا بقيادة حزب العمال الكردستاني عام 1978، وما زال هذا النضال مستمراً حتى يومنا الراهن.