سوزدار ديرك
في الذكرى السنوية لاستشهاد الرفيقة زيلان، أردنا القيام بعملية لإحياء ذكراها من جديد في 30 حزيران.
كون الرفيقة زيلان تمثل القدوة الأعلى بالنسبة لنا، وهي من النساء اللاتي مثّلن المرأة الكردية الحرة في حركة الحرية الكردستانية. وكوننا سائرات على دربها، فقد قررت الرفيقة سورخوين أن نقوم بالكشف بشكل خاص ودقيق، ثم نقوم بالعملية. كانت الظروف مساعدة للقيام بالعملية، من ناحية تحركات العدو والأوضاع السياسية أيضاً. ولكي نصل إلى هدفنا بنجاح، توصلت الإدارة إلى قرار، وهو أن يذهب أربع رفاق إلى الكشف، وعلى أساس الكشف سيتم تحديد عدد المشاركين في العملية. كان يجب أن نقوم بالعملية في اليوم الذي يسبق 30 حزيران. الرفاق الذين ذهبوا للكشف هم: الرفيقة سورخوين، الرفيق عاكف، الرفيق جكجين وأنا. ولأني كنت أعرف المنطقة، أردت الانضمام إلى العملية.
الجغرافية التي كنا سنذهب إليها كانت مساعدة كثيراُ لقيامنا بالعملية. لكن كان يجب علينا الاحتماء من القرويين. والعدو أيضاً كان قريباً من هناك. لذلك يتطلب منا تطبيق الخصائص الكريللاتية المتعلقة بالسرية على أكمل وجه وبدون نواقص. قبل تحركنا، جهزنا المؤن التي تكفينا لمدة 10 أو 15 يوماً. المؤن التي أخذناها معنا كانت القلي، الجبنة وما إلى ذلك. وبالصدفة، فكلها كانت مالحة. والمكان الذي كنا سنذهب إليه فقير بمياهه. هذه هي ظروف بوطان المعروفة. لكننا قلنا بأنه مهما حصل ومهما واجهتنا الصعوبات، سوف نقوم بتحقيق هدفنا. جهزنا كل ما يلزمنا من التجهيزات العسكرية والأرزاق، لكن ما ينقصنا هو الماء. كنّا نمتلك القليل منه، لكنه لا يكفينا حتى إنهاء عملية الكشف. ورغم ذلك كان يجب علينا ألا نبقى مكتوفي الأيدي. لذا بدأنا بالتحرك قبل 30 حزيران بخمسة أيام، وبفرحة النصر والمعنويات العالية اتجهنا نحو مكان الكشف. إصرار الرفيقة سورخوين لقيامنا بهذه العملية كانت أحد أهم الأسباب لتوجهنا نحو مهمتنا هذه بروح الانتصار. اخترنا مكاناً للقيام بعمليتنا هذه، وهي منطقة شرنخ. لأنه المكان الأنسب للقيام بالعملية التي كنا نرغب بتحقيقها في ذلك الوقت. عند تحركنا للذهاب للكشف، قالت الرفيقة سورخوين: "القيام بالكشف الناجح، هو نصف الانتصار". لذا كان هدفنا جميعاً تحقيق الكشف على أكمل وجه. في اليوم الأول، لم نواجه أية مشاكل. لكن في اليوم الثاني حدثت مواقف مضحكة. فقد اقترب منا القرويون والرعاة. وبدأنا بالبحث عن مكانٍ مناسبٍ للاختباء، فقالت الرفيقة سورخوين: "علينا تسلق الأشجار. فإن لم نفعل فسوف يرانا العدو والقرويين أيضاً" . وكوننا كنا مصرين على انهاء تعب الكشف الكبير كله بانتصار العملية، لم يستغرق الاختباء والتسلق سوى مجرد ثواني. لكن الرفيق عاكف والرفيق جكجين اختبأا بين أغصان شجرة كثيفة على الأرض. وبعد لحظات، أصبح المكان يعجّ بالغنم والكلاب، وأصواتهم ترتفع شيئأً فشيئاً. ولكن إلى جانب ذلك، فقد كنا في جدية وثبات كبيرين أمام مهمتنا. اقترب العدو كثيراً، ووقف القرويون تحت الشجرة التي تسلقناها. عرفوا بوجود حركة هناك، لكن لم يعرفوا ما هي. وأصبح الراعي يحوم ويجول هنا وهناك، كان يريد أن يخبرنا وينبهنا بأن العدو هنا. كنا نعلم بأن هناك من يؤيدنا وأيضاً من يعادينا في تلك القرى. لذلك لم نعطهم الثقة التامة، واتخذنا تدابيرنا بشكل أكبر.
استمر كشفنا لثلاثة أيام. حيث قضينا كل الوقت ونحن نقوم بالكشف والتخطيط لكيفية القيام بالعملية. لذلك لم نحس بالأيام والليالي التي مرت. في اليوم التالي عطشنا كثيراً. وكنّا نحتاج لشرب المياه بعد كل وجبة من الطعام المالح. قال الرفيق عاكف: "سأذهب إلى النبعة لأرى إن كنت أستطيع جلب بعضٍ من الماء". ذهب الرفيق عاكف والرفيق جكجين معاُ. استغرقت مدة جلبهم للمياه حوالي ثلاث ساعات. هذه المياه اكتفتنا حتى نهاية الكشف. كنّا فرحين ومتشوقين جداً، لأنه كلما مضى الوقت، نقترب من يوم قيامنا بالعملية. كانت هناك فرحة لا توصف تدخل في قلوب جميع الرفاق. فعندما تنظر إلى أعين كل رفيق، ترى أملاً كبيراً فيه، وهذا ما كان يزيد البهجة في قلوبنا. في اليوم الرابع، علينا العودة ثانية إلى مكاننا. المسافة لم تكن بالطويلة كثيراً. كانت مسافة ليلة واحدة. لكن من كثرة الاستكشاف بالمنظار، تورمت أعيننا. والكل كان بحاجة للنوم والراحة قليلاً. ففي كثير من المرات كان الرفيق عاكف يخرج من الطريق في مسيره، بسبب عيونه التي لا تُفتَحُ من النعس، والرفيقة سورخوين كانت تغفو وهي تمشي. ولم نكن أنا والرفيق جكجين بحالٍ أفضل منهما. لكن رغم ذلك قلنا بأنه علينا ألا نهمل وظيفتنا حتى نصل إلى مكاننا. استمرينا بالمشي حتى وصلنا إلى مكاننا في آخر الليل. وكان علينا القيام بالعملية في اليوم الذي يليه.
في اليوم التالي، ناقشنا طريقة قيامنا بالعملية. في البداية قلنا إنه علينا التحرك على شكل مجموعتين، مجموعة الهجوم ومجموعة الحماية. لكن الرفاق لم يروها مناسبة. وقالوا بأنه علينا القيام بعملية تفجير على الطريق المؤدية إلى معسكر العدو. فكانت هناك مصفحة تأتي في أوقات معينة لتبديل 12جندياً. فقررنا إصابتها وتفجيرها. لكن كان خطر ذلك كبيراً جداً، إلا إننا كنا مصرين بالعملية. استمر نقاشنا حول كيفية القيام بالعملية، وقال رفاق الإدارة: "تم القيام بالكشف بشكل جيد، فلنقم بزرع لغم كبير على الطريق، وعند مرور تلك المصفحة، نفجرها". بعد وضع خطة للعملية، دار النقاش حول من سيذهب إلى العملية ومن سيبقى. عندها، كان على الرفيقة سورخوين أن تذهب في مهمة فجائية ، كان يجب أن تذهب إلى هركول، ثم إلى كاتو. والذي كان سيقوم بهذه العملية هو الرفيق جكجين ورفاق فصيلتنا. لأننا كنّا نعرف المنطقة والجغرافية جيداً.
بعد موافقة الإدارة على طلبنا، توجهنا إلى مكان عمليتنا للبدء بزرع اللغم. عملنا بجهد كبير، لكننا لم نستطع تفحيره. لأنه كان هناك خطأ في وضعه. في الليلة التي تلتها، ذهبنا لتغيير مكانه وتصحيح الخطأ الذي ارتكبناه. كنّا مصممين إنه مهما حصل فليحصل، علينا تنفيذ مهمتنا. وفي اليوم التالي. ورغم المحاولات الجاهدة أيضاً، لم ينفجر اللغم. فأصبح الكل يظن بأن هذا اللغم لن ينفجر، وفقدوا الأمل في القيام بالعملية. وذلك أثّر بشكل سلبي على جميع الرفاق وأشعرهم بخيبة أملٍ كبيرة. لكنني لم أفقد أملي، وقلت للرفاق: "سنقوم بهذه العملية بأي وسيلةٍ كانت". فأصبح الرفاق أيضاً مصممين على القيام بالعملية، وكانوا يقولون بأننا سنلحق العدو ضربة كبيرة بكل تأكيد. وبعدها قمنا بالتحضيرات اللازمة.
أتى بعض الرفاق إلى مكان تمركزنا، لربما نحتاج إلى تقوية في العملية. أولئك الرفاق أيضاً انضموا إلى تحضيرات الفصيلة بشكل فعال. كانت مرحلة قصيرة، لكن حصل فيها انضمام كبير. هم أيضاُ كانوا مصممين لتحقيق هذه العملية بنجاح. خلقت في تلك الأجواء مشاعر وأحاسيس غير طبيعية، فعندما ينظر أي رفيق إلى الآخر، أول كلمة يقولها هي "علينا القيام بالعملية". وخاصة من أجل يوم 30 حزيران. لأنه يوم ذو معنىً كبير بالنسبة لنا. وإن قمنا بالعملية فسوف نكون مرتاحين من ناحية الضمير. لذلك، كان كل همنا وخيالنا أن نضرب العدو ضربة كبيرة في ذلك اليوم.
اجتمعت الإدارة من جديد لوضع خطة جديدة. ولم يقطع أي أحد آماله هذه المرة. ففي اليوم التالي، عيّنّا حارساً كي يتعقب تحركات العدو. كنت أحس بشيء في داخلي، لذلك قلت للرفاق بأنه علينا الذهاب إلى مكان الحراسة وتفقد الوضع من هناك. أصرت رفيقة أن تصبح حارسة. لكنها لم تكن تعرف المنطقة جيداً. ولم تتخذ من تعقيب العدو أساساً، بسبب عدم معرفتها. فقد كانت جديدة ضمن صفوف الكريللا. وفجأة شعرت بحدس قوي، وكأن هناك من يقول لي اذهبي لتفقد المكان. ذهبت وسألت تلك الرفيقة: هل رأيتِ شيئاً، هل يوجد عساكرٌ أم لا؟. وهي ترد: لا يوجد شيء. فقلت حسناً. لكن رغم ذلك لم يكن قلبي مطمئناً. لذلك أخذت المنظار لألقي نظرة في الجوار، فرأيت العساكر يتحركون بين الأشجار. فعدت لأسألها: هل رأيتِ العساكر؟ فقلت في نفسي ربما أتخيل ذلك. لكني كنت في شك كبير، بسبب قرب المسافة التي يتحركون فيها. بقيت حوالي 15 دقيقة وأنا أتعقبهم، فوجدت العساكر جالسين عند نبعة المياه للاستراحة قليلاً. جاء الرفاق الآخرين أيضاً وتأكدنا من وجود العدو قرب النبعة. فذهب كلٌّ منا إلى خندقه، اتخاذاً للتدابير الأمنية. ولم يستغرق ذلك إلا ثواني. ذهب الرفيق جكجين ورفيق آخر إلى مكان أقرب مسافة من العدو. وقتها طلب الرفاق منّا ألا ينضم الجميع إلى المعركة، فليبقى بعض الرفاق في الخلف ليتدخلوا عند حصول أي أمرٍ طارئ. اقترب الرفيق جكجين منهم كثيراً إلى مسافة القنبلة، واستطاع ضربهم بكلّ سهولة، لأنهم كانوا في مرمى الهدف. وبدون أي توتر أو لبكة، تحققت العملية التي كنا نحضر لها منذ أيام. وعند تفجير القنبلة الأولى وإطلاق الرصاص، أردت أن أزغرد من كل قلبي. لأن القيام بالعملية كانت حسرة في قلوبنا جميعاً. قتلنا كثيراً منهم، عندها أتت طائرة الهليكوبتر وأخذت الجنازات. وأصبح العدو يوسع حملات تمشيطه لكي ينتقم منّا. لكن الساحة التي كنّا فيها كانت صغيرة، مما ساعدهم على ضربنا بقوةٍ وعنف. أمطرونا وما حولنا بالقنابل والبراميل بالطائرات الحربية. كما إنهم لم يقصروا في إطلاق الهاون والأوبيس علينا. لكن، لم يستطيعوا أن يزرعوا الخوف أو الشك بالإخفاق في قلب أي رفيق من رفاقنا. بل على العكس، كانت قلوبهم وأفواههم تضحك وتبتهج لما فعلناه بهم. وخاصة الرفيق عباس (هو مستشهد الآن)، فقد كان يقول بأن اليوم هو يوم فرحتنا. وأخذ كاميرته، وأصبح يلتقط صوراً للرفاق تحت الطلقات التي تمطر فوق رؤوسنا. جميع الرفاق كانوا في ذلك الحماس والابتهاج. وانضمت إلينا مجموعة التقوية ليشاركونا فرحتنا واحتفالنا بذكرى 30 حزيران، واستمرينا بإلتقاط الصور لتبقى ذكرى لذلك اليوم.
لم يتمالك الرفيق جكجين نفسه من شدة الفرح، فتحدث مع الرفيقة سورخوين عبر الجهاز اللاسلكي ليبشرها بعمليتهم هذه، فقال لها: "نبارك عليكن يوم 30 حزيران". حيث رفعت تلك العملية كثيراً من معنوياتنا، فعندما تنظر إلى عيون الرفاق، ترى عشقاً كبيراً للحياة. فعلى الرغم من كون أغلب الرفاق جدد بين صفوف الكريلا، إلا أنهم زرعوا القوة والجسارة في نفوس الجميع بمعنوياتهم العالية. لم نترك أماكننا حتى إنتهاء حملة التمشيط تلك. أغلب الرفاق الذين كانوا مشاركين في العملية، هم مستشهدين الآن. فقد وصلوا بكل بسالة إلى مرتبة الشهادة. لكن الحقيقة التي عشناها سويةً، لن تبرح عرش ذاكرتي مهما حييت. وبهذه المناسبة، أستذكر جميع الرفاق الذين شاركوا في تلك العملية وفي شخص قائدتنا زيلان أنحني إجلالاً أمام أرواح جميع شهدائنا الخالدة.