"الصحافة التي كنت أمارسها لم تكن وفق مؤسسات الدولة القائمة، ما كنت أريد القيام به، هو المراسلة الحربية في نضالٍ لم يُعترف به بعد، حيث يضحّي الكريلا بأرواحهم في سبيل الحصول على الاعتراف به".
وُلد الصحفي سيد افران المعروف بذاكرة الإعلام الحر، في ناحية هينة التابعة لآمد في شمال كردستان عام 1969، وتعرّف على غربتلي أرسوز، إحدى رياديات الإعلام الحر، خلال دراسته في جامعة تشوكوروفا، إذ كانت تدرس في الجامعة ذاتها، التحق بصفوف النضال في سبيل الحرية في آمد عام 1990، وانخرط في العمل الإعلامي في تركيا وشمال كردستان.
أُصيب الشهيد سيد افران مع 23 من زملائه وزميلاته في التفجيرات التي استهدفت مقر صحيفة أوزغور أولكة في إسطنبول ومكاتبها في أنقرة وآمد في الـ 3 من كانون الأول عام 1994، إذ كان يعمل مديراً للشؤون الكتابية في الصحيفة.
بحث الشهيد سيد في نضال الكريلا بجبال كردستان لسنوات، وكتب عن المواضيع الأكاديمية والتاريخية والأدبية، وخلال عمله الصحفي، طرح آراءه ووجهات نظره المتعلقة بحياة كريلا حركة التحرّر الكردستانية في كتابَيه "رحلة إلى شاطئ الحياة" و"سر الجبال".
رحل الصحفي سيد افران في الـ 22 من أيلول عام 2023 جرّاء تعرّضه لأزمة قلبية، ووري جثمانه الثرى في مزار الشهيد دليل ساروخان في قامشلو. وبمناسبة السنويّة الأولى لرحيله، نعرض لكم هنا مقتطفات من كتابه "سر الجبال" الذي يتحدّث فيه عن الهدف من عمله الصحفي.
رحلة صعبة تكلّف أرواحاً!
"بعد الموافقة، بدأت أفكر فيما أريد فعله، فما كنت أريد القيام به لم يكن عملاً سهلاً، إذ لم تكن الصحافة التي كنت أمارسها وفق مؤسسات الدولة القائمة، ما كنت أريد القيام به، هو المراسلة الحربية في نضالٍ لم يُعترف به بعد، حيث يضحّي الكريلا بأرواحهم في سبيل الحصول على الاعتراف به، وكنت سأقضي حياتي كمراسل حربي في الوديان العميقة التي مرّ بها الكريلا وفي الطرق والأزقة التي سلكوها، كنت سأبدأ معهم رحلة تبدأ على شاطئ الحياة. كان هناك موت، جوع، دموع، ثلوج، أمطار، طين، عواصف وبرد واعتقال، وقد بدأت الرحلة على شاطئ الحياة، لكنّها كانت تتّجه نحو منتصفها، ولم تتوقّف حتّى الوصول إلى الوجهة.
في هذه الرحلة التي بدأت على شواطئ الحياة، كان كلّ ذلك موجوداً وبانتظارنا، كما كانت هذه الرحلة تتطلّب مسؤولية كبيرة، لأنّ ما كنت أريده ليس إعداد أخبار عنهم فقط، بل الكتابة عن أسرار وجمال حياتهم وأشواقهم وصعوبات نضالهم، لذا كانت مسؤولية هذه الرحلة كبيرة، فإلى جانب تغطية عمليات وأخبار استشهاد أولئك الذين ناضلوا وضحّوا بحياتهم؛ كان يجب الكتابة عن حياتهم أيضاً، كان من الضروري الكتابة عن أوجه القصور لديهم وقوتهم وآمالهم وأمنياتهم التي حافظوا عليها حتّى يومنا الحالي، باختصار، كنت سأكتب في هذه الرحلة عن حياة أولئك الأشخاص الذين لا يمكن حتّى للجبال هزيمتهم، كنت سأكتب عن شجاعتهم وجسارتهم وبطولاتهم ومشاركتهم الموت والألم والشوق ورفاقيتهم على قمم هذه الجبال، في الحقيقة، كان ينبغي أن أكتب عن ذلك، ومن جانب آخر، كنت سأكتب عن آمالهم وأمنياتهم وأحلامهم الجميلة للمستقبل، كنت سأجسّد في كتاباتي البريق في عيونهم والدفء الكامن في قلوبهم والغربة العميقة في أعينهم، باختصار، كنت أريد الكتابة عن حياة أقضيها معهم، كنت سأكتب عنها بالتأكيد.
تحضّرتُ لهذه المسؤولية الكبيرة بهذه المشاعر والأفكار، وقمت برحلاتي الأخيرة بين قنديل وخنير، ولبّيت مستلزماتي التقنية، وأجريت لقاءاتي الأخيرة مع الأشخاص الجميلين الذين كنت سأودعهم، أقول الأخيرة؛ لأنّ لهذه الطرق خصوصية، فإذا خاضها المرء لا يعود، وإن عاد منها لا يراها، ذهبت إلى قنديل لآخر مرّة والتقيت بالرفاق هناك، ثمّ عدت إلى خنير التي كنت سأغادرها لآخر مرّة، كنت سأغادر بعد أن أنتهي من استعداداتي في خنير.
نحو الرحلة الأخيرة
إنّ منح كلّ لحظة من لحظات الحياة معنى يتطلّب نضالاً عظيماً، وقد ناضلت كثيراً في سبيل هذا المعنى، أنا كردي وعلى شعبي أن يتحرّر، لذا استخدمت قلمي وعدستي وقلت كلمتي حتّى أنفاسي الأخيرة.
والآن، ألاحظ كم جيلاً تعاقب؟ ما أعرفه أنّنا ازددنا كلّ يوم..
إنّنا نحافظ على إرث أولئك الذين اتّبعوا فلسفة "سنبذل قصارى جهدنا من أجل حرية هذا الشعب حتّى لو كنّا في القبر" فنحن موجودون ونحيا من أجل ذلك، لقد بدأ جدي هذا النضال عندما سار مع الشيخ سعيد.
وأنا حفيد جدّي واصلت رفع الراية التي استلمتها منه مع القائد عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني، لقد كنت في كلّ مكان من آمد إلى غرزان ومن عفرين إلى قامشلو، ومن زاب إلى السليمانية، ومن أورميه إلى مهاباد، والآن جزءٌ مني هو من شمال كردستان وجزءٌ منّي من روج آفا وجزء منّي من جنوب كردستان وجزءٌ منّي من شرق كردستان، لقد أصبحت كردستان بأسرها.
والآن بات هناك الملايين من الأشخاص خلفي وسيحافظون على هذا الإرث..
كان هناك الكثير للقيام به، لكن هذا هو ما تبقّى من الوقت.
محبتي، استودعكم بكل خير وسلام".