كل الوقائع والأحداث الاجتماعية وقائع منشأة بيد الإنسان، بالتالي، فيمكن هدمها أو تغييرها أو تحويرها بيد الإنسان أيضاً.
واللحظة التي يتم فيها "خلق" تلك الوقائع أو أي ظاهرة جديدة، إنما هي لحظة إبداع الجديد، أياً كان من حيث المضمون والشكل. وعلم الاجتماع المعني بدراسة تلك الوقائع الاجتماعية ومسارها ضمن التاريخ البشري، سيكون من الأفضل تسميته بسوسيولوجيا الحرية، كون أن كل لحظة خلق تتضمن الإبداع في جوهرها، وترتبط بأحد جوانبها بالحرية. من هنا، فسوسيولوجيا الحرية هي نوع من أنواع سوسيولوجيا الذهنية، وحقل ضروري جداً من حقول علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، لأنه معني بمسيرة الإنسان الذي يتميز ذهنه بالمرونة المذهلة وقابلية عقله للإبداع الخلاق الذي لا مثيل له من بين الكائنات الحية الأخرى بفضل تميزه عنها بالمجتمعية.
وإذا ما اتخذنا من هذا المنظورِ محوراً أساسياً لأنفسنا في الإمعان في التاريخ البشري منذ بدايته إلى يومنا الراهن، فسنجد أن ما أسميناه بسوسيولوجيا الحرية (لحظة الخلق والإبداع) قد شهدت أكثر مراحلها عطاءً وغنى في تاريخ المجتمعات خلال العصر النيوليتي في ميزوبوتاميا السفلى، وبالتحديد في الهلال الخصيب. حيث تتجه الجماعات التي تعتاش على القنص والقطف نحو الاستقرار في القرية أولاً ثم في المدينة الحديثة الإنشاء حينذاك، والتخلي عن شكل الكلان نحو بنى اجتماعية أوسع، بعدما أَلِفَت هذا الشكلَ الكلاني مدى مئات الألوف من السنين (98% من عمر البشرية).
كما أن البشرية تنتقل من استعمال لغة الإشارة البدائية إلى اللغة الرمزية الأرقى، وتبتكر بفضلِ جهودِ المرأة عدداً لا حصر له من النباتات للأكل، وتكتشف النار والزراعة، وتخترع آلات النسج وتصنع الفخار والرحى، وتقوم بتدجين الحيوانات وإنشاء البيوت وغيرها من الأمور والظواهر في شتى الميادين، راصفة بذلك الأرضية المنيعة للتطور الذي ستعتمد عليه البشرية في رقيها وتقدمها حتى يومنا الراهن.
إنه تحول وانفجار ذهني ملفت وصاعق للنظر بكل ما للكلمة من معان. ومن الطبيعي أن يتمثل هذا الانفجار والتحول في رسوم الإلهة الأم التي ترمز للمجتمع النيوليتي وإلى سمو دور المرأة الأم، لأنها صاحبة تلك الاكتشافات والاختراعات التي تعني ثورات ذهنية شاملة استلزمت جهوداً حثيثة أصيلة للغاية. ومع سمو دور المرأة إلى مرتبة الإلهة – الأم، تقوم الراهباتُ بتشييد معابدهن في كل قرية، بل وفي كل مدينةٍ أُنشِئت لتوها (أوروك، أور)، بحيث يكون لكل واحدة منها إلهتها الأنثى التي تحميها وتدافع عنها.
لكن الرجل القوي والماكر الذي يستنهل قوته من حرفته في الصيد، يعمل على كسر طوق قدسيةِ المرأة – الأم. ويلجأ في ذلك إلى التحالف مع الشبان اليافعين، وربما كان هذا أول تحالف منظمٍ تمخض عن قائدٍ ماكرٍ وحاشية عسكرية منتظمة ملتفةٍ حوله ومضادة للمرأة. ثم يدخل الشامان حلقة هذا التحالف الثنائي، مزوداً إياه بخبرته ومهارته العملية (علمه)، ومؤدياً دور الراهب والساحر معاً، موطداً بذلك من التحالف، ومصيراً إياه ثالوثاً راسخاً في النظام الأبوي على حساب النظام الأمومي.
ينص التاريخ السومري على نزاعِ إينانا التي هي أول إلهة لمدينة أوروك تجاه الإله أنكي الذي هو إله مدينة أريدو. تشير الملاحم السومرية تلك إلى صراع المرأة والرجل متجسداً في شخص الإلهة إينانا (صاحبة الاكتشافات العظمى المائة والأربعة) والإله أنكي (الذي سرق تلك الاكتشافات منها اعتماداً على قوته البدنية ومَكره). هذا الصراع إنما هو في الحقيقة صراع اختلاف المصالح، وهو صراع المجتمع الريفي الطبيعي المتمحور حول قرى الهلال الخصيب التي تَرودُها المرأة – الأم تجاه مجتمع المدينة الاستغلالي المبتدئ بالتزايد لتوه، والمنشأ على يد الراهب. وهكذا تتولد المشاكل الاجتماعية الجادة لأول مرة في التاريخ مع ظهور مجتمع المدينة وتطور سياق المدنية. فرسوم وأشكال الإلهة الأم بدأت تقلّ مع الوقت، وبات الوزن الرجولي يطغى في الزقورات (المعابد الذكورية) على الوزن النسائي في المعابد النسائية، وتتحول المرأة الأم تدريجياً ورسمياً إلى عبد وعاهرة، سواءً في البيت الخاص (الأسرة) أم العام (المعبد ثم بيوت الدعارة).
مع بروز التحالف الثلاثي تنشأ السلالة كآخر ضربة قاضية مُلحقةٍ بالنظام الأمومي، فيغدو الرجل أباً للأطفال، بعدما كانوا يجهلونه حتى عهدٍ قريبٍ آنذاك، ولا يعرفون غير أمهم. وبات الرجل يرغب في الإكثار من الزوجاتِ أولاً ومن الأولاد الذكور بشكلٍ خاص ثانياً (كرمز لامتلاك القوة السياسية)، ويزيد من إحكام قبضته على المدخرات التي أنجزتها المرأة الأم. وهذا ما يشكل الأرضية الخصبة والمنيعة لتطور نظام المُلكية والتملك، والذي هو خطوة أولى على درب سياق المدنية المتصاعدة على حساب المرأة التي طرأت عليها تحولات جذرية.
فأولاً باتت المرأة عبداً منزلياً للرجل، بعد خوضها كفاحاً مريراً تجاه سياق الرجل المليء بالسحق والمجازر والإهانة والاعتداء الرهيب، وباتت مجرد آلة لإنتاج "النسل" تُؤَمِّن الذُّرِّيّة باستمرار، ومُلكاً خاصاً إلى أبعد حد، بحيث يحق للرجل قتلها متى شاء، وليس في الأمر أية مبالغة.
وثانياً باتت أداة جنسية تثير الشهوات الشبقية لدى الرجل، وخانعة لرغباته والجماع معه متى شاء هو ذلك حتى لو كان على مدار الساعة في اليوم، رغم أن هذا الأمر لا يُشاهَد حتى لدى الحيوانات. الأمر الثالث هو أنها أصبحت كادحاً مجانياً يقوم بأصعب الأعمال في المنزل مقابل الإسقاط من شأنها أكثر فأكثر بحيث باتت "ناقصة العقل والإيمان" وعاطفية منقطعة عن الحياة والمجتمع والأصل، ولا يمكنها السير خطوة واحدة إلا بمساندة من "رَجُلِها" السيد.
أما رابعاً، فهي غدت سلعة، بل مَلِكة السلع، وثَمَنُها هو الإهانة والاحتقار وممارسة الجنس أكثر تحت اسم "العشق"، مع أن الجنس نفسه إنكار للعشق وقتل للحرية. فالعشق أولاً وأخيراً مرتبط بتجاوز اللذة الجنسية، وبارتقاء مستوى الحرية في أخلاق الجنسَين بشكل متبادل. والغريزة الجنسية إكرام لديمومة الحياة، ومعجزة الطبيعة التي تستحق التقديس. ولا ريب أن العيش مع امرأة وأطفال هو حدث مقدس. لكن مجتمع المدنية قد لوث هذه الظاهرة بتأجيجه للتمييز الجنسوي والتعصب الجنسوي لصالح الرجل وفق مسار الحط من شأن المرأة.
كما أنّ حبسَ المرأةِ في المنزل ليس مجردَ أسرٍ مكانيّ. بل إنه اغتصاب جذري لحقوق وكدح المرأة (أي لاقتصاد المنزل)، بحيث يعتمد على سوء معاملتها بدرجة ممنهجة عبر مختلف وسائلِ العنف والشدة، بل وحتى بوسائل الحَطِّ الأيديولوجي، حتى يتم تجريدها من القيم الإنتاجية والتربوية والإدارية والتحررية بما يتعدى وضع الاستسلام بكثير، بل ويتسبب في إضاعتها هويتَها كلياً بمجرد تحولها إلى "زوجة".
هكذا دخل الرجل القوي الماكر بيت المرأة وسلب اقتصادَها خِلسةً كاللص، بل وحوَّل خلية العائلة المقدسة إلى مرتع للأربعين حرامي، بإبقائه على المرأة تئن تحت نير اغتصابه الدائم. من هنا، فالمدنية لم تعنِ السمو والتقدم على صعيد أخلاقيات المجتمع، بل تجسدت ماهيتها الأساسية في انحطاط وتردي أحكام القيم الأمومية المشاعية ومفاهيمها الأخلاقية.
وقد بلغ هذا التردي ذروته في عصر الرأسمالية عن طريق أيديولوجية الليبرالية المعتمدة على أداة الدولة القومية، وذلك من حيث استغلال المرأة بكدحها وبدنها ومشاعرها وكل مهاراتها وطاقاتها وعلى جميع الأصعدة. فقد تم فرض التحول السلطوي على الأسرة من خلال محورتها حول الرجل الذي بات ممثلاً للدولةِ داخل خلية العائلة، سيداً على المرأة في المنزل، وعبداً تجاه الدولة خارجه، لتصبح العائلة بالتالي خلية مجتمع الدولة. كما تم ضمان عمل المرأة فيها بلا حدود أو مقابل. إضافة إلى قيامها بتأمين الحاجة السكانية اللازمة للدولة. من هنا، فالقضية السكانية على علاقة كثيبة مع التعصب الجنسوي والأسرة والمرأة. فسكانٌ أكثر يعني رأس مال أكبر. كما أنها تعد نموذجاً لنشر التردي والعبودية بين صفوف المجتمع عموماً. أي أنها بشكل عام تؤدي دورها الأيديولوجي المناط بها (الأيديولوجيا السلالاتية)، فيغدو كل رجل في المنزل وكأنه صاحب مملكة (سلالة). وتغدو المرأة شرف الرجل، والذي يجب صونه حتى ولو تطلب ذلك قتل المرأة أو رجمها أو تعذيبها أو حتى اغتصابها والاعتداء عليها!! وبهذا المنوال تم تشكيل المجتمع الموجَّه، الذي تستفحل فيه رائحة السلطة والهيمنة من أصغر وأسفل خلايا المجتمع (العائلة المتواطئة مع الدولة) حتى أكبرها وأعلاها (الدولة المسيطرة على المجتمع). وبهذا الشكل تكون الرأسمالية قد شنت الحرب على المجتمع بتسللها حتى أدق مساماته، ونهبها إياه، وعيشها بالتطفل عليه كالقرادة تماماً.
نستنتج من ذلك أن الرأسمالية عدو المرأة الأم كقوة خالقة للاقتصاد. فقد تُرِكت نسبة ساحقة من الجماهير النسائية عاطلة. ورغم كون أشغال المنزل هي الأصعب، إلا أنها لا تساوي خمسة قروش. ورغم أن إنجاب الطفل وتنشئته من أصعب الأعمال، فقد بات بخس القيمة، بل وبات وكأنه بلاء مسلط على المرأة. بالتالي، فقد باتت المرأة موضواعاً للامساواة واللاحرية واللاديمقراطية، ليس في الطابق السفلي من المجتمع وحسب، بل وفي جميع طوابقه وطبقاته وشرائحه. وبات تاريخ المدنية بأكمله يسجل تاريخ ضياع المرأة وهويتها وكيانها كإنسان.
لقد سردنا حتى الآن السياق المتصاعد على حساب المرأة بعد ظهور المدنية والدولة. إلا أن هذا لا يشكل الحقيقة بكاملها. بل للحقيقة وجهها الآخر، والذي يعد الوجه المخفي للتاريخ الحقيقي المطمور وغير المدون. إنه تاريخ الطبقات الفقيرة والمقهورة. فالانتقال إلى مجتمع المدينة قد جرى بالتداخل مع الانتقال إلى المجتمع الديمقراطي. والجدالات المحتدمة الدائرة في أول مجلس للشيوخ العجائز والقواد العسكريين تجاه المرأة، ليست سوى أصداء لأصوات أقدام المجتمع الديمقراطي وانعكاساته الأولى، متمثلة في كفاح المرأة لاسترجاع "ماءات"ها، ثم في جميع الحركات المضادة للمدنية والمتطلعة إلى الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة على مر التاريخ البشري. وفي جميع المجتمعات التي مرت بهذه المرحلة، نشاهد ثنائية المجتمع الديمقراطي والمجتمع المديني (ثنائية الدولة والديمقراطية). أي، تتواجد قضية الديمقراطية في كل مكان تتواجد فيه الدولة، وهناك مخاطر التدول في كل ساحة تتواجد فيها الديمقراطية. فالديمقراطية ليست شكلاً للدولة، ومصطلح الدولة الديمقراطية خاطئ.
تأتي تقاليد الأنبياء والنبوة في صدارة المقاومات المتماسكة التي تمكنت من إيصال صوتها منذ مرحلة الإنشاء الأولى للمجتمع المديني إلى أيامنا الراهنة. فأقاصيصهم تشتمل في جميع مزاياها على الثقافة الأيديولوجية. فبينما تعكس قصة آدم وحواء ذهنيةَ الحضارة المدينية المتألهة تجاه المجتمع النيوليتي، وتَمُدُّنا برؤوس الخيط الذي يؤدي بنا إلى بدء الصراع بين السيد والعبد، وترمز إلى سقوط المرأة الأم إلى المنزلة الثانية. فإن خروج نوح يوحي لنا بإنقاذ المجتمع النيوليتي من قبضة السيد الجبار الطاغي، فيحمله على متن السفينة إلى منطقة جبلية يستحيل وصول المدنية إليها، ليعيد إنشاءه من جديد. وكيفما يمثل تاريخُ السلالات تاريخَ الطبقاتِ العليا، فإن تاريخ النبوة يمثل تاريخ الثقافات والعشائر المقاوِمة وتاريخ الأبطال. فجميعها تتقاطع في نقطة مشتركة، ألا وهي مناهضة الوثنية.
ورغم كل مساعي الاستعمار والاستغلال، تبقى المرأة الصاحب الحقيقي للاقتصاد كقوة أساسية، ما دامت تحمل الجنين وتغذيه في بطنها، وتعتني بتنشئته ومأكله بعد مخاضات الولادة الشاقة، إلى أن تجعله قادراً على الوقوف على رِجلَيه. كما أن المرأة لا تزال القوة المحركة للعجلات في العديد من ميادين الحياة الاقتصادية. بينما العقلُ التحليلي للرجل، والمليء بالحيل والكذب ووحشية الحرب، ما من شيء لا يستطيع فعله حيال المجتمع البشري وبيئته، بعدما صيرته المدنية وحشاً شرساً، وارتأى المعاملة السيئة مناسبة للمرأة التي باتت لا تقدر العيش بدونه. إن إيقاف هذا العقل ممكن بوضع السياسة والأخلاق الاجتماعية في مكانهما المناسب. أي بتطوير نظام الحضارة الديمقراطية تجاه نظم المدنية، حيث يسود العقل الاجتماعي الجماعي باعتباره صوت الضمير المسمى بفطرة المجتمع السليمة، وصوت الأخلاق التي لا غنى عنها لتلبية متطلبات فن الحرية (السياسة الاجتماعية).
تاريخ الحضارة الديمقراطية يعني تجاوُز هذه الستارات والسدود الأيديولوجية وانتقادها. فانتقاد الأسرة أمر هام كي تكون مؤسسة اجتماعية أولية في المجتمع الديمقراطي، وتخرج من كونها خلية أولية للسلطة. إذ ينبغي التخلي عن استملاك المرأة والأطفال، وتخطي التعاطي الغرائزي معها بذريعة استمرار الجنسِ البشري. فالموقف الأمثل للوحدة بين الرجل والمرأة، هو الذي يتخذ من فلسفة الحرية المرتبطة بالمجتمع الأخلاقي والسياسي أساساً. الزواج الطبيعي هام. ولكن، على الطرفين المعنيين أن يكونا مستعدين لقبول الحياة المشتركة، دون الحراك بعبودية وعمى في العلاقات، إذ يستحيل احترام الأسرة المتأسسة على الجهل.
من هنا، فمصطلح علم المرأة Jineoloji قد يرمي إلى الهدف المأمول. فالظواهر التي سيبرزها لا بد أنها ستكون أكثر واقعية مما عليه كثير من الحقول العلمية المنضوية تحت كنف علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، فالمرأة تحتل الحيز الأفسح من الطبيعة الاجتماعية جسداً ومعنى. والتنوير الحقيقي الشامل للطبيعة الاجتماعية غير ممكن إلا بالتنوير الحقيقي والشامل لطبيعة المرأة ووضعها، بدءاً من استعمارها كأنثى إلى استعمارها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وذهنياً.
كما أن فهم حقيقة غريزة الجنس يتصدر أشكال المعرفة الأسحق قدماً. فاستحالة خلود الفرد حثته على إعادة إنتاج ذاته ضمن شخص آخر بالتوالد. إنها شكل من أشكال الحل إزاء الموت وخطر انقراض النسل. والفرد الذي يستمر فيه هذا الحدث الكوني هو المرأة. بينما دور الرجل فيه ثانوي لأقصى الدرجات. بناء عليه، فمن المفهوم علمياً دواقع وقوع المسؤولية الكبرى على كاهل المرأة في حدث الاستمرار بالنسل. والحال هذه، فالنتيجة الأساسية التي علينا استنباطها من ذلك هي ضرورة أن تكون المرأة صاحبة الكلمة الفصل بشأن العلاقة الجنسية. فكل علاقة جنسية تجلب معها مشاكل كامنة يستعصي على المرأة تحملها. فالمرأة التي تنجب عشرة أطفال، تؤول جسداً وروحاً إلى حالات أسوأ من الموت.
كما تؤدي المرأة دوراً مصيرياً في أخلاقيات وجماليات الحياةِ على هدى الحرية والمساواة والديمقراطية. بالتالي، فعلم الأخلاقيات والجماليات جزء لا يتجزأ من علم المرأة. ولا جدال في أن المرأة ستحقق انفتاحاً عظيماً في هذه الميادين كقوة فكرية وتنفيذية على السواء، فأواصرها مع الحياةِ شاملة جداً مقارنة مع الرجل، من حيث تشخيص وإقرار الجوانب الحسنة والسيئة في تربية الإنسان وأهمية الحياة والسلم ومعايير العدالة.
سيكون من الأصح تطوير علم الاقتصاد أيضاً كجزء من علم المرأة. فقد أدت المرأة منذ بداية التاريخ البشري دوراً أصلياً في الاقتصاد كنشاط اجتماعي، لأنه ذو معاني مصيرية بالنسبة لها. وقد تجسدت الضربة القاضية التي لحقت بالحياة الاقتصادية في إخراجِ الاقتصاد من يد المرأة، وتسليمه إلى المُرابين والتجار وأصحاب المال والسلطة والدولة (القوى المضادة للاقتصاد)، متحولاً بذلك إلى عامل رئيسي في نشوب الحروب والنزاعات والأزمات اللامحدودة دائماً، متسبباً في دمار البيئة وتلوثها بأبعاد لا تطاق.
يبدو أن الحركة النسائية التي تتخطى نطاق الفامينية، وتنادي بالحرية والمساواة والديمقراطية استناداً إلى علم المرأة ستؤدي دوراً رئيسياً في حل القضايا الاجتماعية، بشرط أن تقطع أواصرها مع إدمانات وسلوكيات الليبرالية وأنماطها الفكرية، وأن تحلل عدو المرأة (المدنية والحداثة الرأسمالية). كما يتصاعد علم البيئة وتتطور الحركات البيئية مع تقدم العلم وتنامي الوعي. ولكن، ينبغي إخراج تنظيمها وممارستها من شوارع المدينة، وسكبها على كل المجتمعات بكافة شرائحها، وتخطي الطابع القومي الضيق فيها.
من هنا، إن كنا نهدف أساساً إلى تطوير الحرية في قضية المرأة وفق منظور سوسيولوجيا حرية المرأة، فلا بد من القيام بالنشاطات والأعمال السوسيولوجية المختصة بحل المعضلة وتأمين وعي الحياة وإدراك ماهية قضية المرأة لتلبية متطلباتها نظرياً وعملياً وفق الأسلوب السليم المرتقب. بمعنى آخر، ما علينا سوى الشروع بتطوير ما أسميناه بعلم المرأة.
بقلم المقاتلين
من الدروس التدريبية