HPG

قوات الدفاع الشعبي الكردستاني

الديانة الزردشتية هي اقدم الديانات على وجه الارض، وتعتبر الديانة الاولى التي وحدت الخالق, فأذا كان هناك من يدعي غير ذلك فهو على خطأ, فالدلالات واضحة حول هذه الديانة التي ظهرت في 444 قبل الميلاد

وقد تدينت جميع الاقوام التي كانت في المناطق المجاورة لظهور الزردشتية ,منها الفرس والكورد والهنود, وغيرها من الاقوام في تلك الحقبة ولكن ما هي هذه الديانة ومن الذي دعى اليها؟

لنبدأ اولا بنبذة عن الشخصية العظمية التي احدث انقلابا عظيما في تأريخ البشرية , والتي على يده تحول الانسان من مجرد كائن لا يحس ولا يعرف ما يجري حوله الى كائن يعرف من خلقه , الى كائن يعرف أن هناك قوة عظيمة في الكون يتحكم بجميع الاشياء , والقادر على على كل شيء , وهو الوحيد الذي بيده ملكوت السماء والارض, الى كائن يعرف الخير من الشر بعدما كان يعيش على فطرته دون دراية بما يجري من حوله, كائن همه املاء بطنه دون التفكير من أين حصل على تلك الغذاء , كائن كان الشر هو الصفة الوحيدة في طبيعته, يقتل , ويذبح, ويعتدي دون اية قوانين تتحكم به.

هنا وأنطلاقا من هذا المبدأ بدأ النبي زردشت يفكر في أنقاذ هذا الكائن الذي يشبهه في كل الصفات،من تلك الاوضاع السيئة الذي كان عليه, فقد صرف هذه الداعية جل ّ وقته معتكفا تارة وداعيا تارة , جميع الناس من حوله الى التفكير بما كان يعتده صحيحا لا بل هو الصحيح بعينه.

زردشت هذا الكائن العبقري والفيلسوف ظهر نبيا وأن لم يعترف به المتطرفون في عصرنا هذا، لكن رغم ذلك فهو النبي والرسول الاول الى الانسانية , وهو الداعية الاول الى خلاصه والتكفير عن خطاياه بالتوجه الى الخالق, وتوحيده والسجود اليه, لذا تعتبر الديانة الزردشتية هي المخلص الاول للبشرية والباب الذي ولج منه الناس الى معرفة الخالق العظيم, وتوحيده, أذن من هو زردشت وما هي االديانة الزردشتية؟:

زردشت 

زرادشت ، زراتشت ، زه رده شت أو( Zarathushtra) هي تسمية واحدة لكن بلغات مختلفة لشخص واحد, والده يدعى ( بور شاسب) وأمه ( دغدو)اما اسم العائله أو بالاصح لقبها فهي حسب المصادر( الميدية) القديمة ( سبيتمة) أي الجنس الابيض,اما عن مكان ولادته !! فالتاريخ الاسلامي وخاصة على لسان الطبري قد وقعوا بأخطاء كثيرة حول محل ولادته, فالطبري والمؤرخين الاسلاميين يعودون باصله الى مناطق فلسطين, ( رغم أن تسمية فلسطين حديثة المنشأ, ) فهم يريدون بذلك أثبات أن أن فلسطين هي تسمية قديمة, وهي مبعث الكثير من الانبياء ناسين أن هذه التسمية قد اطلقت على تلك البقاع لاسباب( استعمارية) لا غير, أريد بها نشر الدين الاسلامي باحتلال مناطق شاسعة وتصدير الثورة الاسلامية كما تفعل الان ( ايران , والمنظمات السلفية الارهابية) مع العلم أن تلك المناطق كانت ولازالت هي ( أورشليم) أو ( يورشليم ) حسب جميع المصادر التاريخية والكتب السماوية,, فالتسمية وأن كانت هذه الايام لا تشكل شيئا مقابل الوصول الى سلام عالمي, وعالم خال من الارهاب, ألا أن اؤلئك الناس ولازالو يفكرون بطريقة أو أخرى أثبات ما في ادمغتهم العفنة في سبيل تحقيق مأرب خبيثة في أنفسهم تربوا عليها وعاشوا في سبيلها وسوف نتطرق الى كيفية أجبار الزرادشتيين الكورد الى الاسلام بعد أنهيار الامبراطورية الميدية وبقوة السيف, السيف الذي استخدم لارهاب العزل من الناس , والابرياء منهم, وسوف نتطرق الى موضوع لماذا يجب أن يعود الكورد الى ديانتهم الاصيلة ( الزردشتية).

أما بالنسبة لولادة النور الالهي النبي زردشت , فقد ولد في مدينة أرومية في مناطق كوردستان المحتلة من قبل الدولة الفارسية , حيث أطلقت على تلك المناطق أسم أذربايجان الايرانية !!! رغم تواجد الكورد في تلك الارض قبل تواجد الاقوام الايرانية الغازية لديار الكورد.

ان اغلب المؤرخين يرجعون تأريخ ميلاد النبي زردشت الى ( 660) قبل الميلاد , وهناك من يرجعها الى ( 444) قبل الميلاد ومنهم من يعود به الى ( 6000) سنة ق.م أما الوقائع الصحيحة فهي تثبت على الاغلب أن ميلاده كان في 660 قبل الميلاد , حيث بشر بالنبوة في سني عمره ( الثلاثين) , وفي 583 وعلى أثر أحد المعارك الدامية أستهد في مدينة بلخ ألأفغانية , حيث تذكر الروايات التأريخية أنه قد استشهد على يد أحد ملوك فارس والذي كان يسمى(كشتاسب) حيث دعاه الى بيته ليستشيره في أمور الديانة ودعوة الاقوام الاخرى الى اليها , ثم قام بقتله انتقاما حسب ما يقال لكثرة الناس الذين امنوا بدينه واتبعوا زردشت فقتله الملك الفارسي ليتخلص منه ويحكم شعبه بالحديد والنار,, الطريقة الذي نبذه النبي زردشت , لانه كان يدعوا الى السلم والمحبة بين الاقوام والشعوب.

ومما يدعوا الى التفكير بجدية وطهارة الزرادشتية أن الاسلام بنى أركانه الرئيسية على نفس القياسات والتعاليم التي اتى من اجله زرادشت والتي تقول ( الايمان: قول باللسان, واقراربالجنان,وعمل بالاركان) أما قول البعض أن الزرادشتية هي عبادة النار , !!! كما تدعيه بعض الاديان فهي محض افتراء, فقد احتركت النار في الزرادشتية لانها مبعث النور الالهية حيث كان لاحترام تلك النعمة الالهية معابد خاصة ومراسيم جميلة جعلت من تلك الطقوس السمة الرئيسية للديانة وليس ما يعبدونه, كما كان هناك احترام واهتمام خاص بالزراعة وتربية المواشي والتحول الى المدنية ( الانتقال الى الحضر) من المقدسات التي يجب اتباعها بالنسبة لمعتنقي الزرادشتية حيث تكتمل بها مباديء الدين الجديد, وهناك عشرة وصايا للنبي زردشت يدعوا فيه الناس الى الرأفة بالحيوانات والتعامل معها على أساس أنها كائنات لها أرواح وخلقها الله لمنفعة الانسان, أيضا من ضمن تلك الوصايا ( أحترام الناس وعدم الاعتداء على الاخرين والرأفة بالضعيف, وأحترام العلاقات بين القبائل واالاقوام الجارة .

كتاب النبي زردشت (آفيستا)

كلمة الافيستا باللغات القديمة تعني ( الاساس والبناء القوي), يدعي الفرس أن الكتاب كتب باللغة البهلوية القديمة أو ألسنسكريتية, مع العلم أن المصادر تذكر بأن اللغة التي نزلت بها ( ألأفيستا) هي لغة خاصة بالاقوام الكاردوخية أو الكاردوية أو الكوردية ( وهي تسمية حديثةأطلقت على الكوردبعدما كانوا معروفين ( بالكاردوخيين) وقد كتبها الفرس البهلويين بلغتهم قبل الاسلام, طمعا في تنسيب الديانة الزردشتية الى الفارسية, ويقول المؤرخين أن ( الافيستا ) المقدسة كتب على 12000 قطعة من جلود البقر اتلفت أغلبها نتيجة لمرور تلك القرون من الزمن وبقيت 38000 الف كلمة منها ,وتقول بعض الروايات انها كانت حوالي345,700كلمة اي اربعة أضعاف , وكانت من واحد وعشرين جزأ وخمسة اقسام:

اولا: ( يسنا) وتعني نوع أو شكل وهي على شكل ( اناشيد أو تراتيل) وهي ادعية ومعلومات حول الدين وهي أشهر أقسامه وينسب اغلبها الى النبي زردشت.

ثانيا: (ويسبرد)

ثالثا: ونديداد ( قانون ضد العفاريت)وهي حول الحلال والحرام, والطاهر والنجس

رابعا: يشتها) وتعني الاناشيد والتسابيح

خامسا: افيستاي بجوك (آفيستا الصغيرة) وهي الاعياد والمراسم الدينية والمذهبية

في الديانة الزردشتية هناك اعتقاد بوجود ستة معاونبن أو مساعدين لزردشت وهم باعتبارهم من الملائكة المقدسين وهم يأتمرون بأمر من ( سبنتا مئنيو) أي الروح المقدسة وهم:

اولا: وهومن (Vohuman)؛

ثانيا: واهيشته أشا(vahishta-Asha)

ثالثا: واريا خشاترا(vairya-Xshathra)

رابعا:سبنته أرمئيتي(armaiti-Spenta)

خامسا:هوروارتات(Haurvartat)

سادسا:امريتات(Ameretat)

طبقا للديانة الزردشتية فالكون خلق قبل 12 حكم اله الخير منها ثلاثة الاف عام ,كان فيها اله الشر في الظلام طيلة حكم اله الخير, ثم ظهر اله الشرّ وواجه فيها اله الخير وقد اعطاه اله الخير مدة 9000 عام ليتقابلوا فيها , وقد كان اله الشر مطمئنا للفوز بالالوهية الا أن ظهور زردشت ونشره الدين الجديد والخير جعل الناس تنفر من اله الشرّ مما أدى الى هزيمته وبقي اله الخير يحكم الكون وهو الذي خلق الخليقة والاكوان وتربع على عرش الربوبية , ووزع خيره على الكائنات جميعا, لذا يجب اطاعة اوامره وتوحيده وانه لا شريك له في الملك.

القيامة حسب الديانة الزردشتية

في المعتقد الرزادشتي سيظهر ثلاثة منقذين( مخلصين) احدهما ظهر قبل ظهور زردشت ب(1000) عام , أما الثاني فيظهر بعد زردشت ب( 200) عام والثالث بعد ( 3000) عام وأسماءهم على الشكل التالي:

اولا: (هوشيدر) ظهر قبل زردشت بالف عام

ثانيا: (هوشيدرماه) يظهر بعد زردشت بالفي عام.

ثالثا: (سوشيانس) سيظهر بعد زردشت بثلاثة الاف عام وهو الذي سيثبت العدل في الدنيا بعد ظلم يطول امده, وفي روايات يقال أنه هو المسيح الذي سيظهر مجددا بعد صعوده الى الرب بعد أن ينال العذاب .

الديانة الزردشتية تعتقد بالروح ووجودها, ويعتقدون أن الفاني هوالجسد وليس الروح, وأن الروح سيبقى في منطقة وسطى بين النار والجنة في منطقة يدعى البرزخ, وأن أعتقادهم راسخ بالجنة والنار والصراط وميزان الاعمال أما بالنسبة للجحيم في الديانة الزردشتية فهي تختلف في وصفها عن الاديان الاخرى , حيث يعتقد معتنقوا الديانة الزردشتية أن الجحيم عبارة عن منطقة باردة وفيها أنوتع من الحيوانات المتوحشة التي سوف تعاقب المذنبين بما اقترفت يداهم من أثم في الدنيا.

نبذة من الترانيم والدعوات في الديانة الزردشتية

انا عالمً أنك الحق و أنك مع العقل النير . هكذا أراك و أرى أيضاً أن الرب الحكيم بالغ العظمة له العرش و القصاص ، بهذا القول من أفواهنا ، سنحول بشر من فرائس للشر إلى كائنات عظيمة.” ترنيمة 2\5 الأفستا زرادشت

رنيمة 31\7\ ( هو الذي ملأ بواسطة العقل في البدء السموات المباركة بالنور،هو الذي خلق ب"مشيئة " الحق الذي أبدع (العقل الخير) هذا الذي زدته أيها "الرب الحكيم" بروحك التي صارت منذ الآن واحدة أيها الرب

يقول زرادشت في الونديداد إحدى أسفار الأفستا : “ حينما ينمو الشعير تنزعج الشياطين و حينما يحصد القمح يغشى على الشياطين فالبيت الذي يدخله القمح تخرج منه الشياطين مذمومة مدحورة .

فالإنسان تركبه الشياطين إذا كان دون الحاجة وإذا كان فوقها أيضاً ، فالشيطان هنا هو الفقر .

ترجمة لنص من نصوص سفر اليسنا وهي قسم االترانيم والدعوات في الأفستا :

 

"إني أتصورك _ أيها المعطي الأكبر مزدا –جميلاً حينما أشاهد أنك القوة العليا ذات الأثر الفعال في تطوير الحياة وحينما أرى أنك تكافئ الناس على الأعمال و الأقوال . لقد كتبت الشر " عقاباً" على الشر وجعلت السعادة جزاءاً وفاقاً لمن يعمل الخير ، وذلك بفضلك العظيم الذي يظهر أثره ، حينما تتبدل الخليقة التبدل النهائي."

الزردشتية هي عقيدة دينية تتمحور حول ألوهة إله واحد مطلق عالمي ومجرد، وقد جاء ذلك على صفحات الـ"أفت" حيث ينبعث صوت زرادشت عبر سطور الـ"جاتها يآسنا" يناجي الإله " أهور مزدا( إني لأدرك أنك أنت وحدك الإله وأنك الأوحد الأحد، وإني من صحة إدراكي هذا أوقن تمام اليقين من يقيني هذا الموقن أنك أنت الإله الأوحد.. اشتد يقيني غداة انعطف الفكر مني على نفسي يسألها: من أنتِ, ولفكري جاوبت نفسي؛ أنا؟ إني زرادشت أنا، وأنا؟ كاره أنا الكراهية القصوى الرذيلة والكذب، وللعدل والعدالة أنا نصير!

من هذه أتفكّر الطيبة التي تحوم في خاطري، ومن هذا الانعطاف الطبيعي في نفسي نحو الخير، ومن هذا الميل الفطري في داخلي إلى محق الظلم وإحقاق الحق أعرفك.

من هذه الانفعالات النفسية والميول الفكرية التي تؤلّف كينونتي وتكوّن كياني ينبجس في قلبي ينبوع الإيمان بأنك أنت وحدك أهورا مزدا، الإله وأنك الأوحد الأقدس الخيّر الحق.

تنقسم النفس البشرية إلى قسمين ما دام الإنسان دون الكمال فهو أيضاً دون النقاء :

1. سبتامينو : القوة المقدسة " الطاقة المدركة" "أنا العليا" بمفهوم فرويد .تدعم هذه القوة سبع فضائل عليا " الحكمة و الشجاعة و العفة و العمل و الإخلاص و الأمانة و الكرم هذه الفضائل بمثابة الملائكة . تدفع هذه الفضائل القوة المقدسة النفس البشرية إلى الخير و النور والحياة والحق .

2. أنكرة مينوا : "القوة الخبيثة " " الطاقة غير المدركة" الخافية بمفهوم يونغ . وتساند هذه القوة سبع رذائل هي النفاق و الخديعة و الخيانة والجبن والبخل والظلم وإزهاق الروح وهي بمثابة شياطين . وتدفع هذه القوة الخبيثة المتكونة من النقص في النفس البشرية إلى الشر والظلام و الموت و الخداع ، ويبقى هذا الصراع قائماً بين هاتين القوتين داخل النفس البشرية إلى أن يصل الإنسان إلى النقاء ، يقول زرادشت في الأفستا ، ترنيمة 30\3 " منذ البدء أعلن الروحان التوأم عن طبيعتهما –الطيب و الشرير –بالفكر والكلمة و الفعل –بينها يختار الرجل الحكيم جيداً و لا يفعل هكذا الأحمق " .

و حثت الزرادشتية الإنسان إلى معرفة نفسه ليصل إلى ذاته ودعته أن يتوحد فكره وقوله وفعله : مينش ، كونش ، كونيش ، فالفكر الصادق و القول الطيب و العمل الصالح هي أمهات الفضائل التي تخرج الإنسان عن انفصامه وتوصله لذاته .

اثباتا لوحدانية الله:

يقول زرادشت في الأفستا 34\3 "أين أيها الحكيم سوف يكون المخلص مستحوذ " العقل الخير " هؤلاء الذين أحالوا العقائد و المورثات إلى معاناة وعذاب سوف يكون مصيرهم الجحيم ، ولكنني لا أعرف غيرك فأنقذنا بواسطة الحق.

يعتبر النبي زردشت بحق فيلسوف عصره وكل العصور انظر الى التعابير الدقيقة , في وقت كان الانسان لايملك من العقل ما يستطيع به تمييز الخير من الشر , انظر الى هذه التعابير وتمعن في اقوال هذا العبقري:

إني لأدرك أنك أنت وحدك الإله وأنك الأوحد الأحد، وإني من صحة إدراكي هذا أوقن تمام اليقين من يقيني هذا الموقن أنك أنت الإله الأوحد.. اشتد يقيني غداة انعطف الفكر مني على نفسي يسألها: من أنتِ؟

ولفكري جاوبت نفسي؛ أنا؟ إني زرادشت أنا، وأنا؟ كاره أنا الكراهية القصوى الرذيلة والكذب، وللعدل والعدالة أنا نصير!

من هذه أتفكّر الطيبة التي تحوم في خاطري، ومن هذا الانعطاف الطبيعي في نفسي نحو الخير، ومن هذا الميل الفطري في داخلي إلى محق الظلم وإحقاق الحق أعرفك, من هذه الانفعالات النفسية والميول الفكرية التي تؤلّف كينونتي وتكوّن كياني ينبجس في قلبي ينبوع الإيمان بأنك أنت وحدك أهورا مزدا، الإله وأنك الأوحد الأقدس الخيّر الحق.

يقول الكاتب(Boyce, Mary,) في كتابه(Zoroastrians)المطبوعة في لندن سنة 1985 حول النبي زردشت

‏يُعتبَر زرادشت واحداً من أهم الشخصيات الدينية التي أثَّرت على مجرى الحياة الروحية عبر تاريخ الحضارة. ولا تكمن أهمية هذا النبي والمعلِّم الأخلاقي الكبير في مدى الانتشار الجغرافي والزماني للديانة الزرادشتية التي قامت على وحيه وتعاليمه بقدر ما تكمن في مدى تأثير أفكاره على الديانات العالمية اللاحقة.

عندما ولد زرادشت، على ما تقصُّه الأدبيات الزرادشتية اللاحقة، احتفلت كل مظاهر الطبيعة، وحدثت سلسلة من المعجزات التي رافقت ذلك الحدث المهم في تاريخ الكون وتاريخ الإنسانية. أما الشيطان فقد هرب واختفى من على وجه الأرض؛ ثم ما لبث أن أرسل زبانيته لإهلاك الرضيع. فلما اقتربوا منه تكلم في المهد وتلا صلاةً للربِّ طردت الشياطين. وعندما شب على الطوق جاء الشيطان لكي يجربه ووضع في يده سلطان الأرض كلِّها مقابل تخلِّيه عن مهمته القادمة، ولكن زرادشت نهره وأبعده عنه.

عندما كان زرادشت في الثلاثين من عمره جاءه وحيُ النبوة من السماء يأمره بالتبشير والدعوة إلى دين الله الحق. فبينما كان الكاهن الشاب يشارك في إحدى المناسبات الطقسية دعت الحاجة إلى بعض الماء، فتطوَّع زرادشت لجلبه ومضى إلى النهر القريب حيث خوَّض حتى ركبتيه وملأ وعاءه. وبينما هو خارج من الماء تجلَّى له على الضفة كائن نوراني، فخاف لدى رؤيته وهمَّ بالرجوع. ولكن الكائن كلَّمه وطمأنه قائلاً بأنه فوهو ماناه، أحد الكائنات الروحانية الستة التي تحيط بالإله الواحد أهورا مزدا وتعكس مجده. ثم أخذ الملاك بيد زرادشت وعرج به إلى السماء حيث مَثُل في حضرة أهورا مزدا والكائنات الروحانية المدعوة بالأميشا سبنتا؛ وهناك تلقَّى من الله الرسالة التي وجب عليه إبلاغها لقومه ولجميع بني البشر.

عاش زرادشت عمراً مديداً، ووجد الوقت الكافي لنشر رسالته والعمل على تبسيط تعاليمه الأولى التي أوردها في الأناشيد، وذلك بلغة تقرِّبها إلى أفهام عامة الناس وتستميلهم إليها. تزوج ثلاث مرات وأنجب ثلاثة ذكور وثلاث بنات؛ وكانت ثالث زيجاته من ابنة الوزير الأول لمملكة خوارزم. بعد وفاة الملك فشتاسبا سادت الفوضى في المملكة وفقد زرادشت سنده وحاميه؛ فكان عليه أن يكافح ويصمد بقواه الخاصة؛ وهي مهمة حققها بنجاح بعد نضال شاق وطويل. إلى هذه الفترة العصيبة يرجع قانون العقيدة الزرادشتي الذي يجب على المؤمن فهمه وإعلانه لدى دخوله في الدين الجديد، وفي مقدمته الشهادة التي تقول: "أشهد أني عابد للإله أهورا مزدا، مؤمن بزرادشت، كافر بالشيطان، معتنق للعقيدة الزرادشتية، أمجِّد الأميشا سبنتا الستة، وأعزو لأهورا مزدا كل ما هو خير." لدى نطقه بهذه الشهادة يكون الفرد قد انسلخ عن الدين القديم وصار عضواً في جماعة المؤمنين.

ذاع صيت زرادشت في العالم القديم. فاعتبره الإغريق سيداً للحكمة وللمعارف السرَّانية؛ وعزا إليه الفيثاغوريون تأثيراً مباشراً على معلِّمهم فيثاغوراس؛ ونظر إليه فلاسفة الأكاديميا بإكبار وإجلال باعتباره مؤسِّساً لفلسفة الثنوية؛ ثم رأت فيه المسيحية المبكرة مبشراً بقدوم السيد المسيح بسبب تعاليمه حول المخلِّص المنتظر الذي سيأتي في آخر الأزمان. وعندما ظهرت المدارس الغنوصية في سورية ومصر خلال القرون الأولى للميلاد وجدت في زرادشت واحداً من معلِّميها الكبار. ثم جاء ماني، المعلِّم الثاني لمعتقد الثنوية، فاعتبر زرادشت ثالث الأنبياء العظام الذين سبقوه، إضافة إلى موسى ويسوع. وفي العصور الحديثة أصبح زرادشت موضع اهتمام الأوروبيين منذ عصر النهضة. وكان الفيلسوف الألماني نيتشه من أكثر الفلاسفة المحدثين إعجاباً به، واستعار اسمه لحكيم كتابه هكذا تكلم زرادشت

في أحد ترانيمه (ادعيته) يقول النبي زردشت:

هذا ما أسألك عنه فاصدقني الخبر يا أهورا مزدا.

من هو أبو الحقيقة منذ أقدم الأزمان؟

من رسم للشمس مسارها وللنجوم؟

من جعل القمر يتناقص ويتزايد – مَن إن لم يكن أنت؟

هذا ما أسألك عنه فاصدقني الخبر.

من يمسك الأرض ويرفع السماء من فوقها فلا تقع؟

من فرش الزرع وأجرى الماء؟

من قَرَن جياداً مطهَّمة إلى عربة الريح وعربة السحاب تجرها؟

من خلق الأفكار الخيِّرة – من إن لم أنت؟

هذا ما أسألك عنه فاصدقني الخبر، أيها الإله الحكيم:

أيَّةُ صَنعة مبدعة خلقتْ الصحو والنوم؟

من سخَّر الليل والصباح والظهيرة تذكرة للناس بمهامهم؟

من سخَّر البقر والأنعام لرخاء الناس؟

من يزرع في القلب احترام الوالدين؟

إني أسألك، أيها الإله الحكيم، لأنشر معرفتك بين الأنام.

فأنت العقل الطيب وخالق كل شيء

لقد عرف أهورا مزدا، الذي يطال علمُه البدايات والنهايات، أن آخرة الشر قادمة لا ريب فيها، فوضع خطة للقضاء عليه تتدرج على ثلاث مراحل، يؤشِّر كل منها لطور من أطوار الزمن.

1. فقد خلق أهورا مزدا العالم في أحسن تقويم وأطيب صورة ممكنة، واستمر على هذه الحالة ردحاً من الزمن كان الشيطان خلالها نائماً؛ وهذه هي المرحلة الأولى، مرحلة الخلق الكامل.

2. في المرحلة الثانية يهاجم الشيطان خلق الله ويبث فيه سمومه، فيختلط الخير بالشر؛ وهذه هي مرحلة الامتزاج.

3. في المرحلة الثالثة تبدأ عملية الفصل بين الخير والشر التي تنتهي بدحر الشيطان ورهطه، ليعود الكون كاملاً وطيباً إلى الأبد، ويأتي التاريخ إلى نهايته ليعقبه زمن سرمدي، لا تتناوبه المتناقضات والمتعارضات، وينتفي منه المرض والألم والحزن والموت.

ولقد ابتدأت المرحلة الثالثة بميلاد زرادشت، وتأتي إلى خاتمتها بميلاد المخلِّص المدعو شاوشنياط (أو شاوشيانز) – وهو الذي يقود المعركة الفاصلة بين قوى النور وقوى الظلام. وسوف يولد المخلِّص من عذراء تحمل به عندما تنزل للاستحمام في بحيرة كانا سافا، فتتسرب إلى رحمها بذور زرادشت التي حفظها الملائكة هناك إلى اليوم الموعود. وبذلك تُفتتَح فترة التاريخ الأخير بزرادشت، وتُختتَم بمخلِّص أو مهدي من نسله تحمله أمه حملاً معجِزاً. ورغم المعجزة الإلهية التي قادت إلى ولادة هذا المهدي فإنه يبقى إنساناً مولوداً من أبوين بشريين، لأن خلاص العالم في النهاية هو مسؤولية الإنسان، ويقوده ابن الإنسان الذي سيعلن عن نفسه في الوقت المناسب، فيلقي الرعب في قلوب جند الظلام ويطاردهم في كل مكان ويمحو أثرَهم من الأرض.

يقول الكاتب (نبيل يونس دمان) في مقاله حول الديانة الايزدية (، وتعتبر مدينة ( يزد ) الواقعة جنوب شرقي اصفهان عاصمة الزرادشتية والتي ولدت فيها تلك الديانة بمولد مؤسسها زرادشت سنة 583)ق.م

ويقع في الخطا نفسه الذي وقع فيه اغلب الكتاب حيث جعلوا من مدينة يزد مصدرا للديانة الزردشتية مع العلم ان اغلب المصادر التاريخية تثبت وبدليل قاطع ان النبي زردشت ولد في مدينة ارومية الكوردستانية ,

يقول (ول ديورانت في – قصة الحضارة – لمترجمة زكي نجيب محمود – دار الجيل – بيروت – 1408-1988. (

؛ فقد بدأ أمره طبيبًا بارعًا، وحكيمًا وفيلسوفًا، حاول الوصول إلى سر الكون بالنظر والتأمل العقلي.. تعرض للاضطهاد في بادئ أمره، ثم لما مرض حصان الملك وعالجه زرادشت كافأه الملك بأن أذاع نبوته، ونشر عقيدته، !!

وعن ولادته يقول:

كإن والد زرادشت يرعى ماشيته في الحقل، فترآى له شبحان، وأعطياه غصنًا من نبات، ليمزجه باللبن ويشربه هو وزوجته دغدويه، ففعل وشرب ما طلبه منه الشبحان، فحملت زوجته، وبعد خمسة شهور من حملها رأت في منامها أن كائنات مخيفة هبطت من سحابة سوداء، فانتزعت الطفل من رحمها وأرادت القضاء عليه، إلا أن شعاعًا من نور هبط من السماء مزق هذه السحابة المظلمة وأنقذ الجنين، وسمعت صوتًا من هذا النور يقول لها: "هذا الطفل عندما يكبر سيصبح نبي أهورامزد.

قواعد الطهارة

لم تضاهِ الزرادشتيةَ قبلها ملَّةٌ في الحفاظ على طهارة الجسم والملبس والمأكل. ويأتي حرصُ الزرادشتي المبالغ فيه على النظافة من اعتقاده بأن الفساد والتحلُّل والعفونة وكل أنواع القذارة هي من عمل أنغرا مانيو. من هنا فإن النظافة والبعد عن الاحتكاك بكل ما هو قذر وملوث شأن يعادل الصلاة والعمل الطيب لأن في التزام قواعد الطهارة محاربة لقوى الشيطان ووقوفاً إلى جانب الرحمن. وبذلك يستطيع الإنسان المساهمة في محاربة الشر الكوني من خلال أدائه لأصغر واجباته اليومية.

لا يمكن سرد جميع قواعد النظافة التي راكمتْها الشريعة الزرادشتية عبر العصور، وإنما يفي بالغرض التعرُّضُ لأهمِّها، وهي المتعلقة بالطعام والماء والنار والدم. فالطعام ينبغي أن يُحضَّر وفق قواعد صارمة تمنع احتكاكه بأي مصدر للقذارة، كما ينبغي أن يُؤكَل في خشوع مثلما تُؤدَّى الطقوس الدينية، لأن كل مكوِّناته هي بشكل أو بآخر من مخلوقات الله الأخرى. وأما الماء فيجب التأكد من كونه نظيفاً وطاهراً وأنه قد نُضِحَ من مصدر غير ملوث قبل استهلاكه في الشرب والطبخ والاغتسال. وفيما يتعلق بالنار المنزلية أو النار الطقسية فإن وقودها يجب أن يقتصر على القش والعيدان والحطب وألا يُحرَق فيها الروث والقمامة وما إليها. وبدلاً من حرق فضلات المنازل فإنها تُنقَل إلى أماكن بعيدة خاصة، حيث تجري معاملتُها بالسوائل الحامضية. ويشكل الدم مصدراً للنجاسة في حال سيلانه من الجسم لأن هذا السيلان شكل من أشكال اختلال الحالة الفسيولوجية السليمة للكائن الحي وعرضٌ من أعراض اقتحام قوى المرض والموت. وعلى المتلوث تطهير نفسه بوسائل شتى تختلف باختلاف كمية الدم ومكان الجرح وملابسات الإصابة. كما أن على النساء في فترة الطمث عدم ممارسة الطبخ والأعمال المنزلية ومراعاة عدد من قواعد الغُسل والطهارة.

وبما أنه يصعب على المرء تجنب الاحتكاك بمصادر النجاسة تجنباً مطلقاً فقد وضع فقهاء الشريعة أصولاً معينة للتطهُّر بما يتناسب مع درجة التلوث. وغالباً ما يوصى المتنجس بالاغتسال بالماء من رأسه إلى أخمص قدميه. غير أن بعض درجات التلوث تستدعي الاستعانة بالكاهن الذي يقوم بتلاوة الآيات المقدسة ويسير بالمتنجس أعبر مراحل تطهيرية متعددة قد تستمر بضعة أيام. وتَشغَل هذه الإجراءات التطهيرية وكيفية تطبيقها حيزاً من برامج إعداد وتدريب الكهنة الذين يجب عليهم أنفسهم مراعاة أدق وأصعب قواعد النظافة والطهارة.

مقتطفات